كان العام 2015 مفصلياً في حياة الشاب العراقي محمد آل ديلان، فهو لم ينزح عن مدينته باتجاه أربيل وحسب، بل سطر أجمل صور المواطنة والعمل الخيري والإنساني من خلال التعالي على جراحه وتأسيس فريق "وصّل تصل" لمساندة المحتاجين وخصوصا اللاجئين والنازحين في 30 مخيم موزعين على 7 محافظات و3 مدن رئيسية، ومساعدتهم على تخطي مأساتهم والأخذ بيدهم إلى مساحات الضوء والأمل بغد أفضل.
لم يحتمل محمد رؤية النساء والأطفال وكبار السن يتركون بيوتهم وعائلاتهم وحياتهم ويتجهون نحو المجهول، فحاول المساعدة بأي طريقة؛ فما كان منه إلا أن استخدم وسائل التواصل الاجتماعي ليعرض معاناة النازحين ويطلب المساعدة من المقتدرين. العشرات لبوا النداء، وقدموا التبرعات والمعونات لتكون سنداً للنازحين. والعديد من الشباب المتطوعين وضعوا أيديهم بيد محمد ليأسسوا فريق "وصّل تصل" الخيري والإغاثي الذي يهدف إلى مساعدة المحتاجين والنازحين وتأمين أبسط المستلزمات اليومية التي تساعدهم على الاستمرار في حياتهم بعيدا عن التفكك والانحراف وحتى الموت.
لم يكن محمد يعرف أنه هو نفسه سيتحول إلى نازح، وأن دوره قد حان ليترك بيته وجامعته وأصحابه وينضم هو أيضاً إلى قوافل النازحين نحو المجهول، وذلك بعد شهر واحد فقط على انطلاق عمله التطوعي. إلا أن ذلك لم يمنعه من إعادة تعريف مفهوم النزوح وتحويله من الموت والانكسار إلى الانتصار للإنسانية والوطن. فراح يوسع نشاطه، ويضم المزيد من الشباب النازحين مثله إلى صفوف فريقه التطوعي، ويجمع التبرعات والمعونات من المقتدرين من اللاجئين والنازحين وأهل الخير ليعطيها للمستحقين دون كلل أو ملل. فلا أحد يشعر بمعاناة النازح إلا النازح مثله.
يعتبر محمد أن النازح يمتلك خيارين لا ثالث لهما: إما العتب واللوم وإضاعة الوقت في المقاهي الشعبية، أو الصدق مع الذات والإيمان بوطن قادر على لملمة جراحه ولو بعد حين.
ولتفعيل عمل فريق "وصّل تصل"، أنشأ محمد لجنة تعنى بالإغاثة وهي تضم الشباب المتطوع من مختلف مدن العراق، ولجنة طبية قوامها أطباء متطوعين متخصصين، ولجنة إدارية تهدف إلى تنظيم العمل وحصره. وينظم الفريق معارض متنقلة لجمع التبرعات وتصميم حملات متخصصة بتوزيع المياه أو الغاز أو الأدوية أو الملابس بين الحين والآخر للوصول إلى أكبر قدر من المحتاجين، وذلك بموازاة عملهم اليومي في المخيمات.
تساهم "وصّل تصل" اليوم بتأمين الوجبات الغذائية والملابس وبدل الإيجار ودعم المشاريع الصغيرة وتوفير العلاج للمحتاجين بشكل يومي في أكثر من 30 مخيماً موزعين على 7 محافظات. ويصل فريق "وصّل تصل" اليوم إلى العديد من مناطق القتال، حيث يوفر الغذاء والأدوية والملابس للعائلات النازحة. كما يكفل الفريق عمليات عشرات الجرحى في مستشفيات مدينة أربيل، ومئات الأيتام في المخيمات.
كان بإمكان محمد أن يكون رقماً في سجل المنظمات الدولية، لكنه اختار طريق الصدق مع نفسه وترك بصمة في حياة عدد كبير من المحتاجين، آملاً أن يزرع بسمة على وجوههم ونورا في حياتهم.
اصنع أملاً... اصنع فرقا