في وادي النيل وتحديداً في السودان الشقيق، لم يكن عشرات الأطفال السودانيين من ذوي الاحتياجات الخاصة قد ولدوا بعد في العام 2004 عندما فقد سامر حسن محمد عثمان زوجته أميرة ليلحق بها بعد أقل من ثلاثة أسابيع ابنه محمد، حيث قضى كلاهما جرّاء حادث سير أليم وقع في المملكة العربية السعودية.
على الرغم من حجم الألم الذي خلفته تلك الحادثة في قلب وعقل عثمان، إلا أنها كانت شعاع أمل لعشرات الأطفال. فقد أراد سامر، المثخن بجراح الفراق، التعبير عن محبته لزوجته وابنه الذي كان من ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال مبادرة إنسانية رائعة، فأنشأ في العام 2006 "منظمة أميرة كرار الخيرية" للأطفال أصحاب الهمم (التحديات الذهنية)، ليخلد ذكرى الراحليْن، ويسهم في رسم ابتسامة على شفاه عشرات الأسر السودانية التي تعاني مع أطفالها من ذوي الاحتياجات الخاصة.
قام سامر بتسخير تجربته الشخصية عبر المنتديات الحوارية ولاحقاً عبر منصات التواصل الاجتماعي لدعم غايته النبيلة، ونجح خلال عامين في حشد المؤيدين والداعمين من أفراد ومؤسسات حكومية وأهلية مختلفة مكنته من تحويل فكرة وحلم إلى حقيقة وواقع ملموس. قد تسودّ الدنيا في عيون البعض بهذا الحجم من الفقد، ولكن عثمان آمن بضرورة تحويل الحزن إلى طاقة إيجابية دافعة لخير الناس، وتحويل الفقد المؤلم إلى عطاء يغمر أبناء بلده بالسعادة.
سامر لم يكتفِ بتلك المبادرة بل أطلق مبادرة أخرى تهدف لتوعية المجتمع بضرورة العمل على خفض معدلات حوادث الطرق لتصبح في يوم من الأيام خالية من دماء ضحايا الموت غير المقصود. واليوم يسعى إلى رفع مستويات الأداء في مبادرتيه وتمكين قدرات العاملين والمتطوعين فيهما من خلال التعاون مع جهات محلية ودولية.
عندما بدأ سامر مشروعه كان يرى غلبة الصفة التجارية على معظم المراكز العاملة في تهيئة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأن بعضها يفتقر لمقومات أساسية، وأن هؤلاء الأطفال شريحة مغيبة من المجتمع بالشكل الذي لا يتيح لهم فرصة إبراز كوامن طاقاتهم والانخراط في نشاطات الحياة اليومية للمجتمع. واليوم يكرس سامر جل وقته لتنسيق الجهود والبرامج بين المراكز المتخصصة بالأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة وضمان أهلية وقدرة العاملين في هذه المراكز على تلبية احتياجات مئات الأطفال الذين هم بحاجة إلى دعم نفسي ومعنوي ومادي أكبر بكثير من أقرانهم الأصحاء.
ونجح سامر في وقت قصير بتعزيز اتصاله مع الحكومة السودانية ممثلة بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، حيث قام وبالتعاون مع الوزارة بتنفيذ مجموعة من الدورات التدريبية المتخصصة وورش العمل التي شارك بها العديد من المختصين في الشؤون الإنسانية والمعنيين في التربية. سامر مثال ناجح لمن يضيء شعلة أمل عوضاً عن أن يلعن الظلام. والمنطقة العربية بحاجة إلى نماذج حضارية تنير الطريق للشباب والأجيال القادمة وتجعل منهم روافد للخير ومنابع للأمل.
اصنع أملاً... اصنع فرقا