بينما كان موسى الزويري في طريقه إلى العمل، في العاصمة الأردنية عمّان، شاهد بأم عينه حادث دهس راح ضحيته طفل صغير كان يحاول أن يعبر الشارع إلى المدرسة. كان مشهداً مؤلماً بحق، والأكثر إيلاماً أنه وقع أمام مجموعة من التلاميذ الصغار الذين تجمّدوا من الخوف أمام منظر زميلهم المسجى في الشارع. حاول موسى أن يهدئ من روع الصغار، فـأخذهم من أيديهم، ليساعدهم في عبور الشارع إلى مدرستهم بسلام.
كان ذلك منذ نحو ثلاثين عاماً. ومن يومها، قرر موسى أن يكون عوناً للطلبة الصغار في مختلف مدارس عمّان، حريصاً منذ ساعات الصباح الأولى، مع توجه التلاميذ إلى مدارسهم، على أن يكون متواجداً بالقرب من مدرسة تطل على شارع لا تهدأ فيه حركة السيارات، حيث يقوم بتجميع التلاميذ على الرصيف، ومن ثم إيقاف السيارات والعبور بمجموعة منهم إلى المدرسة، قبل العودة إلى دفعة ثانية وهكذا حتى يتأكد من دخول جميع التلاميذ، أياً كان عددهم، إلى المدرسة بسلام. وكما يبدأ موسى اليوم الدراسي مع الصغار، فإنه ينهيه معهم، حيث يكون في انتظارهم آخر الدوام عند بوابة المدرسة ليقطع بهم الشارع إلى الضفة الأخرى.
مع الوقت، بات موسى، أو "العم موسى" كما يلقبه الصغار، وجهاً مألوفاً، يشعر التلاميذ بوجوده بالأمان، فسلّط الإعلام الضوء عليه، الأمر الذي دعا المسؤولين في "أمانة عمّان" إلى زيارة الموقع ومعاينته، ومن ثم بناء جسر للمشاة. فما كان من "العم موسى" إلا أن بحث عن مدرسة أخرى، كي يتابع رسالته الإنسانية، متنقلاً خلال العقود الثلاثة الماضية بين مواقع عدة لمساعدة الطلبة على عبور الشوارع، وسط دعم وزارة التربية له، خاصة حين قام بتشكيل وتدريب عدد من فرق الإرشاد المروري من طلبة وطالبات المدارس الأكبر سناً لمساعدة زملائهم على العبور الآمن.
لا يزال "العم موسى" يمارس أحب الأعمال إلى قلبه: مساعدة تلاميذ المدراس على عبور الشوارع إلى مدارسهم، شاعرين معه باطمئنان، ومن حين لآخر قد يهدونه "رسمة" أو يكتبون له رسالة شكر، حيث يحتفظ بعدد كبير من هذه التذكارات والرسائل الثمينة التي تذكره بنبل رسالته.
خلال العقود الثلاثة الماضية، تم بناء جسور مشاة عدة في عمّان بالقرب من مواقع المدارس، التي اشتغل فيه موسى الزويري، سعيداَ وهو يرى رسالته تؤدي غايتها وتؤتي ثمارها؛ فهذه الجسور لم تكن ربما لتُبنى إلا لأنه اختار أن يكون هو نفسه جسراً آمناً وسالماً للصغار، يحميهم من وحوش الطرقات المسرعة. اليوم، لا يزال العم موسى يقوم بمهمته التي نذر حياته لأجلها، مسجلاً بذلك ما قد يكون العمل التطوعي الفردي الأطول عمراً.
لا يُخفي العم موسى سعادته واعتزازه بعمله، فخلال السنوات التي ساعد فيها التلاميذ على عبور الشوارع لم يقع حادث واحد أو يتعرض أي طفل للخطر، وهذا بحد ذاته فرق، فرق كبير لصالح الحياة.
اصنع أملاً... اصنع فرقا